فصل: (فَصْلٌ): (وقت التراويح):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [وقت الوِترِ]:

(وَوَقْتُ وِتْرٍ: مَا بَيْنَ صَلَاةِ عِشَاءٍ وَلَوْ) كَانَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ (مَعَ جَمْعِ تَقْدِيمٍ) بِأَنْ جَمَعَهَا مَعَ الْمَغْرِبِ فِي وَقْتِهَا (وَ) بَيْنَ (طُلُوعِ فَجْرٍ) ثَانٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَقَدْ أَمَرَكُمْ اللَّهُ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ؛ هِيَ: الْوِتْرُ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ ضَعْفٌ. وَقَوْلُهُ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَلَا يَصِحُّ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ. لِعَدَمِ دُخُولِ وَقْتِهِ.
(وَ) فِعْلُهُ (آخِرَ لَيْلٍ لِمَنْ يَثِقُ بِنَفْسِهِ أَنْ يَقُومَ فِيهِ أَفْضَلُ)، لِحَدِيثِ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّكُمْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ؛ فَلْيُوتِرْ، ثُمَّ لْيَرْقُدْ. وَمَنْ وَثِقَ بِقِيَامٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ؛ فَلْيُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ». وَذَلِكَ أَفْضَلُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَأَقَلُّهُ رَكْعَةً، وَلَا يُكْرَهُ) الْإِيتَارُ (بِهَا) مُفْرَدَةً (وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ) مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ نَحْوِهَا. وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. (وَأَكْثَرُهُ)، أَيْ: الْوِتْرِ، (إحْدَى عَشْرَةَ: يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ عَقِبَ الشَّفْعِ بِلَا تَأْخِيرٍ) لَهَا عَنْهُ (نَدْبًا) نَصَّ عَلَيْهِ. لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى. فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَائِشَةَ: «كَان النَّبِيُّ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ تَفْرُغَ الْعِشَاءُ إلَى الْفَجْرِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً. يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ. وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ» رَوَاه مُسْلِمٌ. (وَإِنْ صَلَّى الْكُلَّ)، أَيْ: كُلَّ الْوِتْرِ الْإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً (بِسَلَامٍ وَاحِدٍ)، بِأَنْ سَرَدَ عَشْرًا (وَجَلَسَ بَعْدَ عَاشِرَةٍ فَتَشَهَّدَ) التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، (ثُمَّ قَامَ) فَأَتَى بِرَكْعَةٍ؛ جَازَ. (أَوْ) سَرَدَ الْإِحْدَى عَشْرَةَ، وَ(لَمْ يَجْلِسْ إلَّا فِي أَخِيرَةٍ؛ جَازَ)، لَكِنَّ الصِّفَةَ الْأُولَى أَوْلَى، لِأَنَّهَا فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (وَكَذَا مَا دُونَهَا)، أَيْ: دُونَ الْإِحْدَى عَشْرَةَ؛ بِأَنْ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ أَوْ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ. (وَإِنْ أَوْتَرَ بِتِسْعٍ، تَشَهَّدَ بَعْدَ ثَامِنَةٍ) التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، (ثُمَّ) قَامَ وَصَلَّى (تَاسِعَةً) وَتَشَهَّدَ (وَسَلَّمَ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
(وَ) إنْ أَوْتَرَ (بِسَبْعٍ أَوْ خَمْسٍ؛ سَرَدَهُنَّ، فَلَا يَجْلِسُ نَدْبًا إلَّا فِي آخِرِهِنَّ)، لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِسَبْعٍ، أَوْ خَمْسٍ، لَا يَفْصِلُ بِتَسْلِيمٍ»، رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي آخِرِهَا» رَوَاه مُسْلِمٌ. (وَأَدْنَى الْكَمَالِ: ثَلَاثُ) رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ اُخْتُلِفَ فِي كَرَاهَتِهَا، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا شَفْعٌ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ الثَّلَاثُ أَدْنَى الْكَمَالِ. (بِسَلَامَيْنِ)، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «أَفْصِلُ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. (وَهُوَ)، أَيْ: جَعْلُ الثَّلَاثِ بِسَلَامَيْنِ (أَفْضَلُ) مِنْ جَعْلِهَا بِسَلَامٍ وَاحِدٍ لِمَا سَبَقَ. (وَسُنَّ كَلَامٌ بَيْنَ شَفْعٍ وَوِتْرٍ) لِيَفْصِلَ بَيْنَهُمَا. (وَتَجُوزُ) أَنْ تُصَلَّى الثَّلَاثُ رَكَعَاتٍ (بـِ) سَلَامٍ (وَاحِدٍ سَرْدًا) فَلَا يَجْلِسُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ. (وَتَجُوزُ كَمَغْرِبٍ) جُزِمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. (وَقِيلَ:) إذَا جَلَسَ عَقِبَ الثَّانِيَةِ (لَا) يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ وِتْرًا، وَهُوَ وَجْهٌ لِلْأَصْحَابِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ.، (وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ إمَامٍ رَكْعَةً) مِنْ الثَّلَاثِ، (فَإِنْ كَانَ) الْإِمَامُ (يُسَلِّمُ مِنْ ثِنْتَيْنِ؛ أَجْزَأَ) هـ مَا أَدْرَكَهُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْوِتْرِ رَكْعَةٌ، (وَإِلَّا) يَكُنْ الْإِمَامُ يُسَلِّمُ مِنْ ثِنْتَيْنِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَحْرَمَ بِثَلَاثٍ، وَأَدْرَكَهُ فِي الْأَخِيرَةِ؛ (قَضَى) كَصَلَاةِ الْإِمَامِ، لِحَدِيثِ: «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا»، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ نَوَى) الْمَأْمُومُ رَكْعَةً (وَاحِدَةً هُنَا)، أَيْ: فِيمَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ أَحْرَمَ بِثَلَاثٍ، وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى دَخَلَ الْمَأْمُومُ مَعَهُ نَاوِيًا وَاحِدَةً؛ قَضَى الْمَأْمُومُ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ تَتِمَّةَ الثَّلَاثِ.
(وَ) كَذَلِكَ لَوْ نَوَى الْمَأْمُومُ (ثَلَاثًا فِي) الصُّورَةِ (الْأُولَى)، وَهِيَ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ أَحْرَمَ بِثِنْتَيْنِ وَسَلَّمَ مِنْهُمَا؛ فَيَقْضِي الْمَأْمُومُ الْبَاقِيَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ.
(وَ) يَتَّجِهُ: (أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِعَدَدٍ فَلَهُ زِيَادَتُهُ وَنَقْصُهُ بِالنِّيَّةِ)، أَمَّا النَّقْصُ فِي النَّفْلِ؛ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ؛ فَصَرِيحُ كَلَامِهِمْ فِيمَنْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ لَيْلًا، فَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ عَمْدًا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. (وَسُنَّ) لِمَنْ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ (قِرَاءَةُ: سَبِّحْ بِأُولَى، وَ:) {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، بِثَانِيَةٍ، وَسُورَةِ: (الصَّمَدِ، بِثَالِثَةٍ)؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ ذَلِكَ» رَوَاه أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. (وَيَقْنُتُ) فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ (بَعْدَ) رَفْعٍ مِنْ (رُكُوعٍ نَدْبًا) فِي جَمِيعِ السُّنَّةِ، لِأَنَّ مَا شُرِعَ فِي رَمَضَانَ شُرِعَ فِي غَيْرِهِ كَعَدَدِهِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْبَيْهَقِيُّ: أَنَّ أُبَيًّا كَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ حِينَ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ؛ فَفِيهِ انْقِطَاعٌ، ثُمَّ هُوَ رَأْيُ أُبَيٍّ. وَمَحَلُّهُ (إذَا فَرَغَ مِنْ تَحْمِيدٍ وَاعْتِدَالٍ)، رُوِيَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَإِنْ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَنَتَ قَبْلَ رُكُوعٍ؛ جَازَ)؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ.
قَالَ الْخَطِيبُ: الْأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَ فِيهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ. (وَسُنَّ رَفْعُ يَدَيْهِ لِصَدْرِهِ، يَبْسُطُهُمَا وَبُطُونُهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ، وَلَوْ) كَانَ (مَأْمُومًا)، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا دَعَوْتَ اللَّهَ، فَادْعُ بِبُطُونِ كَفَّيْكَ، وَلَا تَدْعُ بِظُهُورِهِمَا، فَإِذَا فَرَغْت فَامْسَحْ بِهِمَا وَجْهَكَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (وَيَدْعُو جَهْرًا وَلَوْ مُنْفَرِدًا) نَصًّا، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يُخَيَّرُ الْمُنْفَرِدُ بِالْجَهْرِ وَعَدَمِهِ كَالْقِرَاءَةِ، وَظَاهِرِ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: أَنَّ الْجَهْرَ يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ فَقَطْ.
قَالَ فِي الْخِلَافِ، وَهُوَ أَظْهَرُ (بِسُورَتَيْ الْقُنُوتِ وَكَانَتَا)، أَيْ: سُورَتَا الْقُنُوتِ (فِي مُصْحَفِ أُبَيِّ) بْنِ كَعْبٍ. (الْأُولَى) مِنْهُمَا: (اللَّهُمَّ): أَصْلُهُ: يَا اللَّهُ، حُذِفَتْ يَا مِنْ أَوَّلِهِ، وَعُوِّضَ عَنْهَا الْمِيمُ فِي آخِرِهِ، وَلِذَلِكَ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، وَلَحَظُوا فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِلَفْظِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى تَبَرُّكًا وَتَعْظِيمًا، أَوْ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ بِتَصْيِيرِ اللَّفْظَيْنِ لَفْظًا وَاحِدًا. (إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَهْدِيكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ)، أَيْ: نَطْلُبُ مِنْك الْمَعُونَةَ وَالْهِدَايَةَ وَالْمَغْفِرَةَ. (وَنَتُوبُ إلَيْكَ) التَّوْبَةُ لُغَةً: الرُّجُوعُ عَنْ الذَّنْبِ، وَشَرْعًا: النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ الذَّنْبِ، وَالْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ، وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ، فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يُحَلِّلَهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ. (وَنُؤْمِنُ بِكَ) أَيْ: نُصَدِّقُ بِوَحْدَانِيِّتِكَ، (وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: التَّوْكِيلُ: إظْهَارُ الْعَجْزِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْغَيْرِ، وَالِاسْمُ: التُّكْلَانُ. وَقَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ هُوَ تَرْكُ تَدْبِيرِ النَّفْسِ، وَالِانْخِلَاعُ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: هُوَ الِاسْتِرْسَالُ مَعَ اللَّهِ عَلَى مَا يُرِيدُ. (وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ)، أَيْ: نَمْدَحُكَ وَنَصِفُكَ بِالْخَيْرِ. وَالثَّنَاءُ: بِالْخَيْرِ خَاصَّةً، وَالنَّثَاءُ بِتَقْدِيمِ النُّونِ: فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، (وَنَشْكُرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ) أَصْلُ الْكُفْرِ: الْجُحُودُ وَالسَّتْرُ.
قَالَ فِي الْمَطَالِعِ وَالْمُرَادُ هُنَا: كُفْرُ النِّعْمَةِ، لِاقْتِرَانِهِ بِالشُّكْرِ.
(وَ) السُّورَةُ (الثَّانِيَةُ: اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَعْنَى الْعِبَادَةِ: الطَّاعَةُ وَالْخُضُوعُ وَالتَّذَلُّلُ، وَلَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ، وَأَبُو الْبَقَاءِ: الْعِبَادَةُ: مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ اطِّرَادٍ عُرْفِيٍّ، وَلَا اقْتِضَاءٍ عَقْلِيٍّ، وَسُمِّيَ الْعَبْدُ عَبْدًا لِذِلَّتِهِ، وَانْقِيَادِهِ لِمَوْلَاهُ. (وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ) لَا لِغَيْرِكَ، (وَإِلَيْك نَسْعَى) يُقَالُ: سَعَى يَسْعَى سَعْيًا: إذَا عَدَا. وَقِيلَ إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْجَرْي؛ عُدِّيَ بِإِلَى، وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْعَمَلِ؛ فَبِاللَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا}. (وَنَحْفِدُ): بِفَتْحِ النُّونِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا، يُقَالُ: حَفَدَ بِمَعْنَى: أَسْرَعَ، وَأَحْفَدَ لُغَةٌ فِيهِ، فَمَعْنَى نَحْفِدُ نُسْرِعُ، أَيْ: نُبَادِرُ بِالْعَمَلِ وَالْخِدْمَةِ. (نَرْجُوَ)، أَيْ: نُؤَمِّلُ (رَحْمَتَكَ)، أَيْ: سَعَةَ عَطَائِكَ (وَنَخْشَى): نَخَافُ، (عَذَابَكَ)، أَيْ: عُقُوبَتَكَ، (إنَّ عَذَابَكَ الْجِدُّ): بِكَسْرِ الْجِيمِ: الْحَقُّ، لَا اللَّعِبُ، (بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ): بِكَسْرِ الْحَاءِ، أَيْ: لَاحِقٌ بِهِمْ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا لُغَةً، عَلَى مَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُلْحِقُهُ بِهِمْ، وَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ: غَيْرَ أَنَّ الرِّوَايَةَ هِيَ الْأُولَى، وَهَذَا الدُّعَاءُ قَنَتَ بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي أَوَّلِهِ: بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم، وَفِي آخِرِهِ: اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِك. وَهَاتَانِ سُورَتَانِ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَتَبَهُمَا أُبَيٌّ فِي مُصْحَفِهِ إلَى قَوْلِهِ: مُلْحِقٌ. زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ: وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُكَ. (وَيَزِيدُ) مُصَلٍّ فِي قُنُوتِهِ: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ) أَصْلُ الْهُدَى: الرَّشَادُ وَالْبَيَانُ، قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {إنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} فَهِيَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَالْإِرْشَادُ. وَطَلَبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ كَوْنِهِمْ مُهْتَدِينَ بِمَعْنَى طَلَبِ التَّثَبُّتِ عَلَيْهَا. أَوْ بِمَعْنَى الْمَزِيدِ مِنْهَا (وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ) مِنْ الْأَسْقَامِ وَالْبَلَايَا. وَالْمُعَافَاةُ: أَنْ يُعَافِيَكَ اللَّهُ مِنْ النَّاسِ وَيُعَافِيَهُمْ مِنْكَ (وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ) الْوَلِيُّ: ضِدُّ الْعَدُوِّ مِنْ تَلَيْتُ الشَّيْءَ: إذَا اعْتَنَيْتَ بِهِ، وَنَظَرْتَ إلَيْهِ، كَمَا يَنْظُرُ الْوَلِيُّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْظُرُ فِي أَمْرِ وَلِيِّهِ بِالْعِنَايَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ: وَلَيْتَ الشَّيْءَ: إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَاسِطَةٌ، بِمَعْنَى أَنَّ الْوَلِيَّ يَقْطَعُ الْوَسَائِطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَصِيرَ فِي مَقَامِ الْمُرَاقَبَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ، وَهُوَ مَقَامُ الْإِحْسَانِ (وَبَارِكْ لَنَا) الْبَرَكَةُ: الزِّيَادَةُ، وَقِيلَ: هِيَ حُلُولُ الْخَيْرِ الْإِلَهِيِّ فِي الشَّيْءِ (فِيمَا أَعْطَيْتَ)، أَيْ: أَنْعَمْتَ بِهِ (وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ إنَّكَ) سُبْحَانَكَ (تَقْضِي، وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ) لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيْحُكُمْ مَا يُرِيدُ (إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكَتْ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ لَهُ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: «عَلَّمَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي.. إلَى وَتَعَالَيْت وَلَيْسَ فِيهِ: وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَأَثْبَتَهَا فِيهِ، وَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ. وَالرِّوَايَةُ إفْرَادُ الضَّمِيرِ، وَجَمَعَهَا الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْمَأْمُومَ فِي الدُّعَاءِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْتَ، نَسْتَغْفِرُكَ اللَّهُمَّ وَنَتُوبُ إلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْك إلَّا إلَيْكَ، (اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ) قَالَ الْخَطَّابِيِّ: فِي هَذَا مَعْنًى لَطِيفٌ. وَذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُجِيرَهُ بِرِضَاهُ مِنْ سَخَطِهِ. وَهُمَا ضِدَّانِ وَمُتَقَابِلَانِ. وَكَذَلِكَ الْمُعَافَاةُ وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالْعُقُوبَةِ لَجَأَ إلَى مَا لَا ضِدَّ لَهُ، وَهُوَ اللَّهُ أَظْهَرَ الْعَجْزَ وَالِانْقِطَاعَ، وَفَرَغَ مِنْهُ إلَيْهِ. فَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْهُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ: أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ؛ إذْ حَاصِلُهُ أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ اللَّهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ هُوَ ثَابِتٌ فِي الْخَبَرِ (لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ)، أَيْ: لَا نُحْصِي نِعَمَكَ، وَالثَّنَاءُ بِهَا عَلَيْكَ. وَلَا نَبْلُغُهُ، وَلَا نُطِيقُهُ، وَلَا تَنْتَهِي غَايَتُهُ. وَالْإِحْصَاءُ: الْعَدُّ وَالضَّبْطُ وَالْحِفْظُ.
قَالَ تَعَالَى {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ}. أَيْ: تُطِيقُوهُ. (أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ): اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ عَنْ تَفْصِيلِ الثَّنَاءِ. وَرَدٌّ إلَى الْمُحِيطِ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى لَا نِهَايَةَ لِسُلْطَانِهِ وَعَظَمَتِهِ. لَا نِهَايَةَ لِلثَّنَاءِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمُثْنَى عَلَيْهِ. رَوَى عَلِيٌّ أَنَّ النَّبِيَّ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ. وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» رَوَاه الْخَمْسَةُ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيَقُولُ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ، مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ. وَهُوَ مَعْنَى مَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ: يَدْعُو بِمَا شَاءَ. وَاقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى دُعَاءِ: «اللَّهُمَّ اهْدِنَا» وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ. وَاخْتَارَهُ أَحْمَدُ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ أَنَّهُ كَانَ يُسْتَحَبُّ بِالسُّورَتَيْنِ. وَأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ. (ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَلَا بَأْسَ) أَنْ يَقُولَ: وَ(عَلَى آلِهِ)، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ فِي قُنُوتِهِ بِمَا شَاءَ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ نَصًّا. (وَيُؤَمِّنُ مَأْمُومٌ) عَلَى قُنُوتِ إمَامِهِ إنْ سَمِعَهُ، وَإِلَّا فَيَقْنُتُ لِنَفْسِهِ. (وَيُفْرِدُ مُنْفَرِدٌ)، أَيْ: مُصَلٍّ وَحْدَهُ (الضَّمِيرَ) فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَعِينُكَ، اللَّهُمَّ اهْدِنِي إلَى آخِرِهِ. (وَتَحْصُلُ سُنَّةُ قُنُوتٍ بِكُلِّ دُعَاءٍ)، كَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي (وَبِآيَةٍ فِيهَا دُعَاءٌ)، كَ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} الْآيَةَ. (إنْ قَصَدَهُ)، أَيْ: الدُّعَاءَ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ) فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: (مَهْمَا دَعَا بِهِ؛ جَازَ) مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مَلَاذِ الدُّنْيَا، (ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ هُنَا)، أَيْ: بَعْدَ قُنُوتِهِ، لَمَا رَوَى السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إذَا دَعَا رَفَعَ يَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ. وَ(كَخَارِجِ صَلَاةٍ) إذَا دَعَا، لِعُمُومِ حَدِيثِ عُمَرَ «كَان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَإِذَا فَرَغْتَ فَامْسَحْ بِهِمَا وَجْهَكَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا أَرَادَ السُّجُودَ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي الْقِيَامِ، فَهُوَ كَالْقِرَاءَةِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. (وَكُرِهَ قُنُوتٌ فِي غَيْرِ وِتْرٍ) حَتَّى فَجْرٍ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ: ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ» وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا. وَعَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: «قُلْتُ لِأُبَيٍّ: إنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَخَلْفَ عَلِيٍّ هَاهُنَا بِالْكُوفَةِ نَحْوَ خَمْسِ سِنِينَ؛ أَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ؟ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ» رَوَاه أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَيْسَ فِيهِ فِي الْفَجْرِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ- «مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» رَوَاه أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ- فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ طُولَ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى قُنُوتًا، أَوْ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ إذَا دَعَا لِقَوْمٍ، أَوْ دَعَا عَلَيْهِمْ، لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى سَعْدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ إلَّا إذَا دَعَا لِقَوْمٍ، أَوْ دَعَا عَلَيْهِمْ» وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ- أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ- يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي أَوْقَاتِ النَّوَازِلِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ، فَلَمْ يُسَنَّ فِيهَا كَبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ (إلَّا أَنْ يَنْزِلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ)، أَيْ: شِدَّةٌ مِنْ الشَّدَائِدِ، (غَيْرِ طَاعُونٍ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْقُنُوتُ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِلْإِخْبَارِ، فَلَا يُسْأَلُ رَفْعَهُ، (فَيُسَنُّ لِإِمَامِ الْوَقْتِ خَاصَّةً) الْقُنُوتُ، هَذَا الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي قَنَتَ، فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. (وَيَتَّجِهُ: وَيُبَاحُ) الْقُنُوتُ فِي النَّازِلَةِ (لِغَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ الْإِمَامِ، كَنُوَّابِهِ، عَلَى مَا اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ فَيَقْنُتُونَ بِمَا يُنَاسِبُ تِلْكَ النَّازِلَةَ فِي كُلِّ مَكْتُوبَةٍ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد. وَعَلَيْهِ: فَيَقُولُ فِي قُنُوتِهِ: نَحْوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ، اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ، وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ. (فِيمَا عَدَا الْجُمُعَةِ) مِنْ الصَّلَوَاتِ، لِرَفْعِ تِلْكَ النَّازِلَةِ، وَأَمَّا الْجُمُعَةُ؛ فَيَكْفِي الدُّعَاءُ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ (وَيَجْهَرُ بِهِ)، أَيْ: الْقُنُوتِ لِلنَّازِلَةِ (فِي) صَلَاةٍ (جَهْرِيَّةٍ) كَالْقِرَاءَةِ، وَإِنْ قَنَتَ فِي النَّازِلَةِ كُلُّ إمَامِ جَمَاعَةٍ، أَوْ كُلُّ مُصَلٍّ؛ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (وَاسْتَحَبَّ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ أَنْ يَدَعَ)، أَيْ: يَتْرُكَ (الْإِمَامُ) فِعْلَ (الْأَفْضَلِ عِنْدَهُ) أَيْ: فِي مَذْهَبِهِ (تَأَلُّفًا لِلْمَأْمُومِ) (كـَ) مَا لَوْ أَمَّ جَمَاعَةً فِي تَرَاوِيحَ، وَكَانُوا لَا يَرَوْنَ الْقُنُوتَ فِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ كَالشَّافِعِيَّةِ، فَيَتْرُكُ (قُنُوتَ وِتْرٍ) اسْتِعْطَافًا لَهُمْ،
(وَقَالَهُ)، أَيْ: قَالَ (الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَّ جَمَاعَةً يَرَوْنَ الْقُنُوتَ فِي الْفَجْرِ قَنَتَ بِهِمْ أَوْ أَمَّ بِمَنْ يَرَى الْقُنُوتَ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَيَقْنُتُ بِهِمْ كَذَلِكَ تَأْلِيفًا لَهُمْ.
(وَقَالَ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُطَاعًا) كَالسُّلْطَانِ وَالْأَمِيرِ (فـَ) إتْيَانُهُ بِمَا هُوَ (السُّنَّةُ) عِنْدَهُ (أَوْلَى-)، سَوَاءٌ رَآهُ الْمَأْمُومُونَ أَمْ لَا. (وَمَنْ ائْتَمَّ) وَهُوَ لَا يَرَى الْقُنُوتَ فِي فَجْرٍ (بِقَانِتٍ فِي فَجْرٍ، تَابَعَ) إمَامَهُ، لِحَدِيثِ. «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» (وَأَمَّنَ) عَلَى دُعَاءِ إمَامِهِ (إنْ سَمِعَ) صَوْتَهُ كَمَا لَوْ قَنَتَ لِنَازِلَةٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَالصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ، إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ؛ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. (وَإِلَّا) يَسْمَعْ صَوْتَ إمَامِهِ (دَعَا) كَقِرَاءَةٍ. (وَسُنَّ قَوْلُهُ إذَا سَلَّمَ مِنْ وِتْرٍ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ؛ ثَلَاثًا) زَادَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ: رَبِّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، (وَيَرْفَعُ صَوْتُهُ بِثَالِثَةٍ) لِلْخَبَرِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى.

.(فَصْلٌ): [وقت التراويح]:

(وَوَقْتُ) الـ (تَرَاوِيحِ: مَا بَيْنَ صَلَاةِ عِشَاءٍ وَوِتْرٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَالْأَفْضَلُ) فِعْلُ التَّرَاوِيحِ (بَعْدَ سُنَّتِهَا) أَيْ: الْعِشَاءِ.
قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لِأَنَّ سُنَّةَ الْعِشَاءِ يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْمُخْتَارِ فَكَانَ إتْبَاعُهَا لَهَا أَوْلَى، وَأَمَّا التَّرَاوِيحُ؛ فَلَا يُكْرَهُ مَدُّهَا وَتَأْخِيرُهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، فَهِيَ بِالْوِتْرِ أَشْبَهُ. فَلَا تَصِحُّ التَّرَاوِيحُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، فَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ التَّرَاوِيحَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ مُحْدِثًا؛ أَعَادَ التَّرَاوِيحَ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ تُفْعَلُ بَعْدَ مَكْتُوبَةٍ، فَلَمْ تَصِحُّ قَبْلَهَا كَسُنَّةِ الْعِشَاءِ، وَإِنْ طَلَعَ الْفَجْرُ فَاتَ وَقْتُهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا تُقْضَى. وَإِنْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَقَبْلَ سُنَّتِهَا. صَحَّ جَزْمًا.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْتُ: وَكَذَا لَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ الْوِتْرِ، وَقَبْلَ الْفَجْرِ. (وَهِيَ) سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَتْ مُحْدَثَةٌ لِعُمَرَ، فَفِي الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا بِأَصْحَابِهِ، ثُمَّ تَرَكَهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ» وَهِيَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ الظَّاهِرَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ بَيْنَ كُلِّ أَرْبَعٍ يَسْتَرِيحُونَ، وَقِيلَ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُرَاوَحَةِ، وَهِيَ: التَّكْرَارُ فِي الْفِعْلِ. (عِشْرُونَ رَكْعَةً بِرَمَضَانَ)، لِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً وَالسِّرُّ فِيهِ؛ أَنَّ الرَّاتِبَةَ عَشْرٌ، فَضُوعِفَتْ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ جِدٍّ وَهَذَا فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إجْمَاعًا. وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي كِتَابِهِ الشَّافِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً» (وَلَا بَأْسَ بِزِيَادَةٍ) عَلَى الْعِشْرِينَ نَصًّا.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: رَأَيْتُ أَبِي يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ مَا لَا أُحْصِي، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ يَقُومُ بِأَرْبَعِينَ رَكْعَةً، وَيُوتِرُ بَعْدَهَا بِسَبْعٍ. (وَتُسَنُّ) صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ (جَمَاعَةً)؛ لِأَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَصَلَّى بِهِمْ التَّرَاوِيحَ، (يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ ثِنْتَيْنِ) بِنِيَّةِ التَّرَاوِيحِ فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ. (وَفِي رِوَايَةٍ لِ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ تُشْعِرُ بِالْوُجُوبِ)، أَيْ: وُجُوبِ نِيَّةِ التَّرَاوِيحِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (بِنِيَّتِهَا)، أَيْ: التَّرَاوِيحِ (فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ)، لِحَدِيثِ «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» فَيَنْوِيَ أَنَّهُمَا مِنْ التَّرَاوِيحِ، أَوْ مِنْ قِيَامِ رَمَضَانَ، (وَيُسْتَرَاحُ بَيْنَ كُلِّ أَرْبَعِ) رَكَعَاتٍ بِجِلْسَةٍ يَسِيرَةٍ، (وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ اسْتِرَاحَةٍ) بَيْنَهَا، (وَلَا يُسَنُّ دُعَاءٌ إذَا اسْتَرَاحَ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَلَا يُكْرَهُ الدُّعَاءُ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ، لِعُمُومِ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} (وَفِعْلُهَا بِمَسْجِدٍ) أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا مَرَّةً ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَةٍ، كَمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، وَمَرَّةً ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَفَرِّقَةٍ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ، وَقَالَ: مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَفْعَلُونَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْزَاعًا فِي جَمَاعَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي عَهْدِهِ، وَجَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى أُبَيٍّ، وَتَابَعَهُ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.
(وَ) فِعْلُهَا (أَوَّلَ لَيْلٍ أَفْضَلُ)؛ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ أَوَّلَهُ (وَيُوتِرُ بَعْدَهَا)، أَيْ: التَّرَاوِيحِ (فِي الْجَمَاعَةِ نَدْبًا)، لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَتَقَدَّمَ. (وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ لَهُ تَهَجُّدٌ غَيْرَ إمَامٍ) كَمَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ (أَنْ يُوتِرَ بَعْدَهُ)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَإِنْ أَحَبَّ) مَنْ لَهُ تَهَجُّدٌ (مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ) فِي وِتْرِهِ؛ (قَامَ إذَا سَلَّمَ) الْإِمَامُ (فَشَفَعَهَا) أَيْ: الرَّكْعَةَ الْوِتْرَ (بِأُخْرَى) ثُمَّ إذَا تَهَجَّدَ أَوْتَرَ، فَيَنَالُ فَضِيلَةَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، وَفَضِيلَةَ جَعْلِ وِتْرِهِ آخِرَ صَلَاةٍ. (وَإِنْ أَوْتَرَ) وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْإِمَامِ (ثُمَّ أَرَادَ التَّهَجُّدَ لَمْ يُنْقِضْ)، أَيْ: لَمْ يَشْفَعْ (وِتْرُهُ بِرَكْعَةٍ وَصَلَّى) تَهَجُّدَهُ، (وَلَمْ يُوتِرْ)، لِحَدِيثِ «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْوِتْرِ رَكْعَتَيْنِ» وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ الَّذِي يَنْقُضُ وِتْرَهُ. فَقَالَتْ: ذَاكَ الَّذِي يَلْعَبُ بِوِتْرِهِ رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ. (وَكُرِهَ تَطَوُّعٌ بَيْنَ تَرَاوِيحَ) نَصَّ عَلَيْهِ. رُوِيَ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَذُكِرَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ رُخْصَةٌ فِيهِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ. فَقَالَ: هَذَا بَاطِلٌ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ أَبْصَرَ قَوْمًا يُصَلُّونَ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ أَتُصَلِّي وَإِمَامُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ؟ لَيْسَ مِنَّا مَنْ رَغِبَ عَنَّا.
وَ(لَا) يُكْرَهُ (طَوَافٌ) بَيْنَ التَّرَاوِيحِ. وَلَا بَعْدَهَا وَسُكَّانُ أَهْلِ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ أُسْبُوعًا. وَيُصَلُّونَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ. (وَلَا) يُكْرَهُ (تَعْقِيبٌ. وَهُوَ صَلَاتُهُ بَعْدَهَا) أَيْ: التَّرَاوِيحِ (وَبَعْدَ وِتْرِ جَمَاعَةٍ) سَوَاءٌ طَالَ الْفَصْلُ أَوْ قَصُرَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَلَوْ رَجَعُوا إلَى ذَلِكَ قَبْلَ النَّوْمِ، أَوْ لَمْ يُؤَخِّرُوهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، لِقَوْلِ أَنَسٍ: لَا تَرْجِعُوا إلَّا لِخَيْرٍ تُرْجُونَهُ، وَكَانَ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا. وَلِأَنَّهُ خَيْرٌ وَطَاعَةٌ فَلَمْ يُكْرَهْ. كَمَا لَوْ أَخَّرُوهُ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ. (وَسُنَّ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ خَتْمَةٍ فِي تَرَاوِيحَ) لِيَسْمَعَ النَّاسُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ. (وَلَا) يَسُنُّ أَنْ (يَزِيدَ) الْإِمَامُ عَلَى خَتْمَةٍ، كَرَاهِيَةِ الْمَشَقَّةِ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ، نَقَلَهُ فِي الشَّرْحِ عَنْ الْقَاضِي. وَقَالَ أَحْمَدُ: يَقْرَأُ بِالْقَوْمِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مَا يَخِفُّ عَلَيْهِمْ وَلَا يَشُقُّ. سِيَّمَا فِي اللَّيَالِي الْقِصَارِ. (إلَّا أَنْ يُوتِرُوا) زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ.
(وَ) سُنَّ أَنْ (يَبْتَدِئَهَا) أَيْ: التَّرَاوِيحَ (أَوَّلَ لَيْلَةٍ بِسُورَةِ الْقَلَمِ) يَعْنِي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} بَعْدَ الْفَاتِحَةِ. لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ، (فَإِذَا سَجَدَ) لِلتِّلَاوَةِ (قَامَ فَقَرَأَ مِنْ الْبَقَرَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَثَرٌ فِي ذَلِكَ، (وَيَخْتِمُ آخِرَ رَكْعَةٍ مِنْ التَّرَاوِيحِ وَيَدْعُو عَقِبَهَا) بِدُعَاءِ الْقُرْآنِ (قَبْلَ رُكُوعِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ رَأَى أَهْلَ مَكَّةَ وَسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَفْعَلُونَهُ.
قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ بِالْبَصْرَةِ يَفْعَلُونَهُ وَبِمَكَّةَ. وَذُكِرَ عَنْ عُثْمَانَ، وَهُوَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِالْقُرْآنِ وَاجْعَلْهُ لِي إمَامًا وَنُورًا وَهُدًى وَرَحْمَةً، اللَّهُمَّ ذَكِّرْنِي مِنْهُ مَا نَسِيتُ وَعَلِّمْنِي مِنْهُ مَا جَهِلْتُ، وَارْزُقْنِي تِلَاوَتَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَاجْعَلْهُ لِي حُجَّةً يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ رَوَاهُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمُظَفَّرُ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَأَبُو بَكْرٍ الضَّحَّاكُ فِي الشَّمَائِلِ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: حَدِيثٌ مُعْضِلٌ. وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَتْمِ الْقُرْآنِ حَدِيثٌ غَيْرَهُ. انْتَهَى.
وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا قِيلَ بِدُعَاءِ الْقُرْآنِ، بَلْ نَقَلُوا عَنْ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ سَأَلَ الْإِمَامَ: بِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: بِمَا شِئْتَ. لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ: قَدْ تَسَاهَلَ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي قَبُولِ مَا وَرَدَ مِنْ الدَّعَوَاتِ، وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، مَا لَمْ يَكُنْ فِي رِوَايَةِ مَنْ يُعْرَفُ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ وَالْكَذِبِ فِي الرِّوَايَةِ. انْتَهَى.
وَالْمُخْتَارُ: الدُّعَاءُ بِالْمَأْثُورِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ» وَلَمْ يَدْعُ حَاجَةً إلَى غَيْرِهِ، (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) إذَا دَعَا، لِمَا سَبَقَ، (وَيُطِيلُ) الْقِيَامَ، نَصَّ عَلَيْهِ. فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ، وَيَعِظُ بَعْدَ الْخَتْمِ نَصًّا. وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: يَخْتِمُ فِي الْوِتْرِ وَيَدْعُو؟ فَسَهَّلَ فِيهِ. وَقِرَاءَةُ الْأَنْعَامِ فِي رَكْعَةٍ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ؛ بِدْعَةٌ إجْمَاعًا.

.(فَصْلٌ): [صلاة الليل]:

(وَصَلَاةُ اللَّيْلِ) أَيْ: النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فِيهِ (أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ) نَفْلٍ مُطْلَقٍ بِـ (نَهَارٍ)، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ الْغَفْلَةِ، وَعَمَلُ السِّرِّ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْعَلَانِيَةِ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ. (وَوَقْتُهُ) أَيْ: النَّفْلِ (مِنْ غُرُوبِ) شَمْسٍ (لِطُلُوعِ فَجْرٍ) ثَانٍ، نَصَّ عَلَيْهِ.
(وَ) فِعْلُهُ (بَعْدَ نَوْمٍ أَفْضَلُ) مِنْهُ قَبْلَهُ، (وَالتَّهَجُّدُ: مَا) كَانَ (بَعْدَ نَوْمٍ، وَالنَّاشِئَةُ): مَا كَانَ (بَعْدَ رَقْدَةٍ) قَالَ أَحْمَدُ: النَّاشِئَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ رَقْدَةٍ، وَمَنْ لَمْ يَرْقُدْ فَلَا نَاشِئَةَ لَهُ، وَقَالَ: هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا، أَيْ: تَثَبُّتًا، تَفْهَمُ مَا تَقْرَأُ، وَتَعِي ذَلِكَ. (وَنِصْفُهُ)، أَيْ: اللَّيْلِ (الْآخِرُ: أَفْضَلُ مِنْ) نِصْفِهِ (الْأَوَّلِ)، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا إذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟» وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرِ، فَصَلِّ مَا شِئْتَ وَفِي رِوَايَةٍ: حِين يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ» قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النُّزُولُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِيِ هَكَذَا، وَفِي بَعْضِهَا هَكَذَا، أَوْ نِصْفُهُ الْآخِرُ أَفْضَلُ (مِنْ الثُّلُثِ الْأَوْسَطِ)، لِلْخَبَرِ. (وَالثُّلُثُ بَعْدَ النِّصْفِ)، أَيْ: الَّذِي يَلِي النِّصْفَ الْأَوَّلَ (أَفْضَلُ مُطْلَقًا)، أَيْ: سَوَاءٌ ضَمَّ إلَيْهِ السُّدُسَ السَّادِسَ أَوْ لَا، لِحَدِيثِ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ دَاوُد؛ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ» وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ- وَقَدْ سُئِلَ: «أَيُّ اللَّيْلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ؛ قِيلَ لَهُ: وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ؟ قَالَ: مَنْ خَافَ أَدْلَجَ» رَوَاه سَعِيدٌ-؛ فَغَيْرُهُ أَصَحُّ مِنْهُ، وَهَذَا مَوْقُوفٌ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صِفَةِ تَهَجُّدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ نَامَ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلَ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَوَصَفَ تَهَجُّدَهُ، وَقَالَ: ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ». (وَسُنَّ قِيَامُ اللَّيْلِ) لِحَدِيثِ «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ لَكُمْ إلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمُنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ» رَوَاه الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ.
(وَ) سُنَّ (افْتِتَاحُهُ)، أَيْ: قِيَامِ اللَّيْلِ (بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ)، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَلْيَسْتَفْتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وأَبُو دَاوُد.
(وَ) سُنَّ (نِيَّتُهُ)، أَيْ: قِيَامِ اللَّيْلِ (عِنْدَ) إرَادَةِ (نَوْمِهِ)، لِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا «مَنْ نَامَ وَنِيَّتُهُ أَنْ يَقُومَ؛ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ» حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. (وَكَانَ) قِيَامُ اللَّيْلِ (وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُمْ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا} الْآيَةَ، (وَلَمْ يُنْسَخْ) وُجُوبُهُ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. انْتَهَى.
وَالْوِتْرُ غَيْرُ قِيَامِ اللَّيْلِ، اسْتَظْهَرَهُ فِي الْإِقْنَاعِ فِي فَصْلِ الْخَصَائِصِ. (وَتُكْرَهُ مُدَاوَمَةُ قِيَامِهِ)، أَيْ: اللَّيْلِ كُلِّهِ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي قِيَامِهِ كُلِّهِ مِنْ ضَرَرٍ أَوْ تَفْوِيتِ حَقٍّ. وَعَنْ أَنَسٍ: «لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ» كَسِلَ: بِكَسْرِ السِّينِ. وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «خُذُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَاَللَّهِ لَا يَسْأَمُ اللَّهُ حَتَّى تَسْأَمُوا» مُتَّفَقٌ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَلَا: تَفْعَلْ؛ صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَا يَقُومُهُ) أَيْ: اللَّيْلَ (كُلَّهُ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: مَا عَلِمْتُ «رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ» وَظَاهِرُهُ حَتَّى لَيَالِيَ الْعَشْرِ، وَاسْتَحَبَّهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: قِيَامُ بَعْضِ اللَّيَالِيِ كُلِّهَا؛ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، (إلَّا لَيْلَةَ عِيدِ) فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، وَفِي مَعْنَاهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، لِلْخَبَرِ. (وَمَنْ شَقَّ عَلَيْهِ عِبَادَةٌ) مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ غَيْرِهَا (فَفَعَلَهَا) أَيْ: تِلْكَ الْعِبَادَةَ؛ (فَهُوَ) أَيْ: فِعْلُهَا مَعَ الْمَشَقَّةِ، (أَفْضَلُ) مِنْ فِعْلِهَا (مِمَّنْ لَا تَشُقُّ عَلَيْهِ، لِاعْتِيَادِهَا) إذْ مَنْ اعْتَادَ شَيْئًا يَسْهُلُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ، وَإِنْ كَانَ عَسِرًا عَلَى غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ لِلْمُكْرِهِ نَفْسِهِ عَمَلَيْنِ: جِهَادٌ وَطَاعَةٌ، وَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، وَهُوَ كَبِيرٌ يَشُقُّ عَلَيْهِ؛ فَلَهُ أَجْرَانِ» وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ الصُّوفِيَّةِ. (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْ أَصْحَابِنَا (عَكْسَهُ) مِنْهُمْ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُنَيْدِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ عُبَّادِ الْبَصْرَةِ، فَالْبَاذِلُ لِذَلِكَ طَاعَتَهُ وَمَحَبَّتَهُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ مَقَامَهُ فِي طُمَأْنِينَةِ النَّفْسِ أَفْضَلُ مِنْ أَعْمَالٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَلِأَنَّهُ مِنْ أَرْبَابِ الْمَنَازِلِ وَالْمَقَامَاتِ، وَالْآخَرُ مِنْ أَرْبَابِ السُّلُوكِ وَالْبِدَايَاتِ. (وَسُنَّ تَنَفُّلٌ بَيْنَ الْعِشَائَيْنِ)، وَهُوَ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي، لِقَوْلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي قَوْله تَعَالَى: ( {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ}) الْآيَةَ. قَالَ: كَانُوا يَتَنَفَّلُونَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلُّونَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كَانَ أَبِي سَاعَةَ يُصَلِّي عِشَاءَ الْآخِرَةِ يَنَامُ نَوْمَةً خَفِيفَةً، ثُمَّ يَقُومُ إلَى الصَّبَاحِ يُصَلِّي وَيَدْعُو، وَقَالَ: مَا سَمِعْتُ بِصَاحِبِ حَدِيثٍ لَا يَقُومُ بِاللَّيْلِ.
(وَ) سُنَّ (أَنْ يَكُونَ لَهُ تَطَوُّعَاتٌ يُدَاوِمُ عَلَيْهَا، وَيَقْضِيَهَا بِفَوْتٍ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، وَكَانَ إذَا نَامَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ؛ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَاسْتَحَبَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنْ يَكُونَ لَهُ رَكَعَاتٌ مَعْلُومَاتٌ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (إذَا نَشِطَ طَوَّلَهَا، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَنْشَطْ؛ (خَفَّفَهَا)، لِحَدِيثِ: «أَحَبُّ الْعَمَلِ إلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ».
(وَ) سُنَّ أَنْ (يَقْضِيَ تَهَجُّدَهُ قَبْلَ ظُهْرٍ)، لِمَا رَوَى: أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَهْلُ السُّنَنِ، عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنْ اللَّيْلِ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ؛ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ قَرَأَهُ مِنْ اللَّيْلِ».
(وَ) سُنَّ (أَنْ يَقُولَ عِنْدَ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ) مَا وَرَدَ، قَالَ الْمُوَفَّقُ الْبَغْدَادِيُّ فِي ذَيْلِ فَصِيحِ ثَعْلَبٍ: الصَّبَاحُ عِنْدَ الْعَرَبِ: مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ إلَى الزَّوَالِ، ثُمَّ الْمَسَاءُ: إلَى آخِرِ نِصْفِ اللَّيْلِ. انْتَهَى.
وَمِنْ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ؛ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ، وَأَنَّهُ يَكْفِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَعَنْ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ، وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ لَا يَضُرُّهُ شَيْءٌ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ قَالَ إذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى: رَضِيتُ، بِاَللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا؛ إلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُرْضِيَهُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَزَادَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ؛ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ، وَلَكَ الشُّكْرُ؛ فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي؛ فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ `» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
(وَ) سُنَّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ (نَوْمٍ وَانْتِبَاهٍ) مِنْهُ مَا وَرَدَ، وَمِنْهُ: حَدِيثُ حُذَيْفَةَ «كَان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنْ النَّوْمِ؛ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا. وَاذَا اسْتَيْقَظَ؛ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَمَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ.
(وَ) سُنَّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ (سَفَرٍ مَا وَرَدَ)، وَمِنْهُ: حَدِيثُ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إلَى سَفَرٍ؛ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ فِي سَفَرِي هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ، وَإِذَا رَجَعَ؛ قَالَهُنَّ، وَزَادَ فِيهِنَّ: آيِبُونَ تَائِبُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» وَمَعْنَى مُقْرِنِينَ: مُطِيقِينَ. (وَمِنْهُ) أَيْ: الْوَارِدِ (بَعْدَ انْتِبَاهٍ) مِنْ نَوْمٍ: «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ إنْ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا؛ اُسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى؛ قُبِلَتْ صَلَاتُهُ» رَوَاه الْبُخَارِيِّ. وَمِنْهُ: ( «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانِي بَعْدَ مَا أَمَاتَنِي وَإِلَيْهِ النُّشُورُ») رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ. وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: «لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، لَا شَرِيكَ لَكَ، سُبْحَانَكَ، أَسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي وَأَسْأَلُكَ رَحْمَتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْنِي عِلْمًا، وَلَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنِي، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ».
تَتِمَّةٌ:
سُنَّ أَنْ يُقَالَ لِمُسَافِرٍ سَفَرًا مُبَاحًا: أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَك، وَأَمَانَتَكَ، وَخَوَاتِيمَ عَمَلِك، وَزَوَّدَك اللَّهُ التَّقْوَى.